الأحد، 19 ديسمبر 2010

المكتبة الرقمية وحماية حقوق النشر والملكية الفكرية

أ. حمد بن إبراهيم العمران
وزارة التربية والتعليم- المكتبة المركزية


في السنوات القليلة الماضية سعت كثير من المكتبات الأكاديمية والمتخصصة في الغرب للتحول من مكتبات تقليدية إلى مكتبات رقمية، فظهرت أولى هذه المكتبات على شبكة الإنترنت عام 1995م. ويمكننا القول أن المكتبة الرقمية ما هي إلا شكل حديث للمكتبة التي يكون فيها الاعتماد على التقنيات الحديثة في تحويل المعلومات والبيانات من الشكل الورقي إلى الشكل الرقمي، وتهدف بذلك هذه المكتبات إلى استغلال التقنية الحديثة لتحقيق المزيد من الفعالية والكفاءة في تخزين المعلومات ومعالجتها ومن ثم بثها.

ولتحقيق التحول بشكل سليم بدأ الباحثون في حقل المكتبات والمعلومات بدراسة الآليات والإجراءات اللازمة لضمان سير عمليات التحول من دون المرور بصعوبات كالتي مرت بها المكتبات عندما شرعت في تحويل فهارسها البطاقية إلى آلية. كما شرع المتخصصون في مجال الحاسب الآلي في تصميم البرمجيات المناسبة لاستيعاب احتياجات المكتبات الرقمية.


وبوجه عام فإن وراء سعي المكتبات للتحول إلى مكتبات رقمية هدفين أساسين: حفظ مصادر المعلومات بالمكتبة في شكل رقمي، إتاحة مصادر المعلومات الموجودة في المكتبة للمستخدمين في أي مكان.


في الحقيقة الأمر في الواقع ليس بسهولة الحديث عنه، فالمكتبات تواجه مشاكل عديدة عند التحول من مكتبات تقليدية إلى مكتبات رقمية، بعضها يتعلق بأمور تقنية وأخرى قانونية ومن تلك المشاكل:



1. التكاليف المادية المرتفعة لمصادر المعلومات الرقمية.

2. التكاليف الباهظة للتجهيزات التقنية اللازمة للتحول.

3. الصياغة القانونية للعقود مع مزودي المعلومات عند اقتناء قواعد البيانات أو مصادر المعلومات الرقمية.

4. حماية حقوق النشر والملكية الفكرية.
وسوف نركز في هذا المقال على النقطة الأخيرة المتعلقة بحماية حقوق النشر والملكية الفكرية, حيث يكتنف بث المصادر الرقمية في موقع المكتبة سواء على شبكة الإنترنت أو على الشبكة الداخلية للمكتبة والجهة التابعة لها المكتبة الكثير من المحاذير التي تحتاج الإجابة عليها القيام بالكثير من البحوث والدراسات وسن القوانين والتشريعات، ولعل من هذه المحاذير ما يتعلق بضوابط استخدام مصادر المعلومات الرقمية، وكيفية حماية حقوق النشر والملكية الفكرية في ظل البيئة الرقمية.

لا توجد مشاكل كبيرة بالنسبة لحقوق النشر أو الملكية الفكرية في مجال المواد المطبوعة، فشراء المكتبة للنسخة المطبوعة يخولها لإعارتها لمن تريد وبأي عدد من المرات بدون الحصول على أي ترخيص من مالك حقوق النشر، كما أن المستفيد من المكتبة التقليدية يقوم باستعارة وعاء المعلومات من أجل القراءة والإطلاع ومن ثم يقوم بإعادته للمكتبة لتقوم هي بعد ذلك بإعارته لشخص آخر.


بينما في المكتبة الرقمية فالأمر مختلف تماماً، فلا توجد هناك عملية استعارة أساساً فالمستفيد يقوم بعملية إنزال مصدر المعلومات الرقمي من موقع المكتبة على الشبكة مما يخوله لملكيته الكاملة، كما أن المكتبة تتيح أي عدد مهما بلغ من عمليات إنزال مصدر المعلومات الرقمي.


ويخشى كثير من المهتمين بحماية حقوق النشر والملكية الفكرية في هذه الحالة من قيام هذا المستفيد أو غيره بأي عمل غير نظامي ربما ينتج عنه فقد معلومات المؤلف من مصدر المعلومات الرقمي، أو قد توضع بغير أسمه، كما أنه في بعض الأحيان ربما تظهر بيانات المؤلف صحيحة وسليمة ولكن قد يحدث تغيير في محتويات مصدر المعلومات الرقمي وذلك بإضافة أو حذف محتوياته بغير علم المؤلف ورغبته والتي ربما تؤدي إلى ظهور اسم المؤلف على مادة أو أفكار تختلف مع معتقداته وقناعاته.


المجانية وضياع حقوق النشر والملكية الفكرية:


من السمات التي ربما تتنافس فيها المكتبات الرقمية وجود خدمات مجانية لتحميل أعداد كبيرة من الملفات المحوسبة من نصوص وصور وملفات ملتميديا وبرامج وغيرها- مع أنه يصعب وضع كل معلومة في شكل الكتروني - لكل من أراد وبدون وجود حد أدنى من عملية التنظيم والتقنين، لذا أثار ذلك حماس المنادين بحقوق النشر وحماية الملكية الفكرية ونادوا بوجود قوانين وتشريعات أكثر قوة وصرامة تنظم هذه العملية، كما أن بعض هذه المكتبات لا تملك أساساً هذه المصادر الرقمية مما يجعلها خارج قوانين ضمان حماية حقوق النشر والملكية الفكرية.


وفي المقابل تحصل بعض هذه المكتبات الرقمية على فوائد مادية وراء هذا البث للمصادر الرقمية، ولكن لا يحصل المسؤول أساساً عن هذه الملفات - وهو المؤلف أو الناشر الحقيقي - على أي جزء من هذه المكاسب.


من خلال استعراضنا السابق لبعض المحاذير التي تعترض المكتبات الرقمية نجد أن المؤلف يخوض ثلاث صراعات رئيسية في عالم البيئة الرقمية نوجزها فيما يلي:


المؤلف والناشر: وهو النزاع الأكبر، حيث يرى كثير من الناشرين أهمية تنازل المؤلفين عن حقوقهم لصالح الناشرين مما يجعلهم أكثر حرية في التعامل مع هذه الأعمال سعياً وراء الربح المادي، بينما يشتكي بعض المؤلفين من حدوت بعض الاختراقات لقوانين النشر وحماية الملكية الفكرية نتيجة تنازلهم لحقوق النشر للناشرين، فعلى سبيل المثال يرون أن التنازل عن حقوقهم لايشمل استعمال بعض أجزاء من عملهم مما يؤدي إلى ضياع حقهم في وجود أسمائهم على الجزء المستخدم، لذلك فقد هددوا بكسر هذه الاتفاقيات التجارية التي تنازلوا بموجبها عن حقوقهم.


المؤلف والقارئ: وهذا نزاع من نوع آخر حيث يطالب المؤلفين بأهمية أن يستخدم إنتاجهم الفكري كاملاً وبدون تغيير وفي السياق الذي من أجله وضع، بينما يرغب بعض القراء في توجيه أجزاء من النص ليناسب قضية معينة، وأن الأمر يكون أكثر متعة إذا خلط العمل بعمل أخر، ولكن كثير من المؤلفين يرون أن حقوقهم تتلاشى إذا دمج عملهم بعمل مؤلف أخر.


المؤلف والقانون: بعض المؤلفين بدأ يخوض صراعاً أخر يرى فيه أنه هو الصراع الأكثر أهمية، حيث يرى هؤلاء أنه يجب أن تشتمل قوانين حماية حقوق النشر والملكية الفكرية العالمية على تفاصيل دقيقة تتواكب مع العالم الرقمي وتضع في حسبانها التطور التقني مما يضمن حقوق المؤلف، ويحدد قواعد النشر الرقمي، حيث إن كثير من قوانين حقوق النشر– خصوصاً في العالم الثالث – لازالت قاصرة في تغطية تفاصيل هذه الأمور إن لم يكن معظمها.


إن العمل في البيئة الرقمية يتطلب إيجاد صيغ للتوازن بين الأطراف التي تتعامل مع هذه البيئة، وأن استمرار هذه الخلافات سيؤدي إلى تأخر في الولوج إلى العصر الرقمي والاستفادة من التقنية المتطورة في عمليات بث المعلومات، ولعل الصيغة المناسبة لحل هذه الإشكاليات هو الاهتمام بحصول المؤلفين على حقوقهم الفكرية والأدبية مع المرونة في هذه الحقوق.


ختاماً، لعلنا نرى في القريب العاجل المكتبات العربية تخطو خطوات حقيقية جماعية للتحول إلى مكتبات رقمية، فالأمر لم يعد من نسج الخيال بل حقيقة واقعة مطبقة في كثير من الدول الغربية، بل بدأت كثير من المكتبات هناك في تنفيذ مشاريع تطويرية وتعاونية أكثر جرأة وأكثر تطوراً. لذا فلعل من المناسب في هذه الفترة أن تبدأ المكتبات العربية في التعاون مع بعضها البعض وتتبادل الخبرات من أجل تجاوز الإشكاليات التي تحول دون تطويرها بكل يسر وسهولة، كما علينا - في نفس الوقت - أن نسعى إلى تحسين التشريعات في مجال حماية حقوق النشر والملكية الفكرية في العالم العربي، وكذلك تعزيز الوعي بضرورة الحماية الدولية للملكية الفكرية من خلال وسائل الأعلام المختلفة والمؤتمرات والندوات والأبحاث والدراسات وتطوير القوانين بما يتلاءم مع روح ونصوص اتفاقية باريس لعام 1883م وما تلاها من مواثيق في مجال حماية الملكية الفكرية، لما في ذلك من فائدة للمهنيين والمستهلكين والمنتجين والمجتمع بشكل عام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.